ارشيف الذاكرة .. أسباب خجلي ورهابي
يمنات
أحمد سيف حاشد
أشعر أن مرد هذا الخجل والرهاب يعود ابتدأ الى تنشئة أسرية خاطئة.. طفولتي أقل ما يمكنني أن أقول عنها إنها كانت تعيسة للغاية.. مثقلة بالقمع والقسوة، ومعتلة بالمعاناة والحرمان.. وقد تحدثت عنها وألمحت إليها في أكثر من موضع ومكان..
لقد كانت طفولة منهكة وحساسة ومثقلة بالألم .. يضاف إليها مشاكل أسرية جمة رافقت حياتي الأولى المتعبة، و قلق مساور في أغلب الأحيان.. كنتُ مطالبا بطاعة عمياء، وأي رفض لها، يتبعه دون مهل، العقاب القاسي والعجول، ومن دون سؤال..
عندما تُضرب أمام أقرانك، ومن هم في سنك، وتشعر إن العيون تأكل حشاشة قلبك يكون الوقع في النفس بالغا جدا لا يعرفه إلا من عاش التجربة لا من راءها.. عندما تُضرب أمام العامة يكون الإيلام أشد بل حتى التعاطف والشفقة تحس أنها تجرحك.. عندما تشعر بالإهانة يكون الإحساس قاتل.. عندما تريد أن تبلعك الأرض وأن لا يرى الناس المشهد الذي أنت فيه تتمنى فيه الموت المضاعف.. عندما يتم قمع سؤالك تعيش معركة السؤال ربما حتى آخر أيام حياتك..
كانت تثقل كاهلي سلطة أبوية صارمة وقاسية من عناوينها “اضرب ابنك واحسن أدبه، ما يموت إلا من وفاء سببه”.. “اضربه.. يقع رجال” .. “اضربوهم على …. ” ثم يزيد الحمل على كاهلك الصغير و الغض، بسلطة أخرى، هي سلطة الأستاذ أو المعلم.. ويتواصل قمع السؤال من الأسرة إلى المدرسة..
يضربك الأستاذ لأقل وأتفه خطأ، بعصى أو خيزران، في صباح صقيع، على بطن وظهر كفك، وأحيانا يدعي أقرانك ليكبلوك، ويخمدوا قواك، بأيديهم وأرجلهم، ليفلك قاع قدميك، حتى يكاد الدم يتطاير من وجهك، وعروق عنقك، وقاع قدميك.. يضربك بقسوة تشبه الانتقام، بحضور ولائمي، و مشهد جماعي، دون أن يتفهم أسبابك، أو حتى يستمع لعذرك..
وقبل أن تتحرر من سلطة الأب وسلطة المعلم، تداهمك سلطة قامعة ثالثة، تقتل أهلك، وتفتش دارك، وأنت لا زلت طفلا، أو دون البلوغ .. ثم تراقبك وتلاحقك وتتربص فيك، و تقمعك بقية حياتك، من أجل احتوائك، أو تدجينك وجلبك إلى عالم الطاعة والخضوع..
طالني قمع كبير لوقت طويل، لإرغامي على الولاء والطاعة، ولأكون منقادا وتابعا ومطواعا “حسن السيرة و السلوك” .. بلا رأي ولا موقف ولا إرادة ولا حياة .. فيما كنت في المقابل، استميت في الاعتراض والرفض المقاوم المعلن أو غير المعلن، وتأكيد ذاتي واستقلالي الجموح.. صراع خضته باكرا و لم ينته إلى اليوم..
***
الصورة لي وابن أخي د. منصور علي سيف